(¯`·._.·( رحيق الايمـــان )·._.·´¯)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


عن الامام علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله سلم البخيل من ُذكرت عنده فلم يصل علي رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
 
الرئيسية~~ عالم مختلف ~أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دور العقل عند الإمام الكاظم(ع)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
~~ رحيق الايمــان ~~
~~ رحيق الايمــان ~~
Admin


MMS : 3
انثى
عدد المساهمات : 437
تاريخ التسجيل : 01/09/2010
العمر : 34
الموقع : منتديات رحيق الايمان [ قلب الايمان سابقاً ]

دور العقل عند الإمام الكاظم(ع) Empty
مُساهمةموضوع: دور العقل عند الإمام الكاظم(ع)   دور العقل عند الإمام الكاظم(ع) Icon_minitimeالسبت نوفمبر 13, 2010 6:13 am

دور العقل عند الإمام الكاظم(ع)


المنهج القرآني.. والعقل

تنقل لنا السيرة عن الإمام الكاظم(ع) بأنَّه كان يتخذ أسلوب الوصايا التي تتنوّع في موضوعات كثيرة، أو تتخذ موضوعاً واحداً متنوّع الأبعاد، وهذا ما نراه في ما رُوِي من وصاياه لتلميذه هشام بن الحكم الذي كان تلميذاً لأبيه، ولعلَّ أهمها وصيته الطويلة التي أدار فيها الحديث حول العقل من خلال النهج القرآني الذي أكّد على دور العقل كحجّة لله على عباده، في ما هي مسألة الإيمان والكفر والضلال والاستقامة والانحراف.. وأثار الحديث عن السلبيّات والإيجابيّات في سلوك الإنسان من خلال تحريك العقل أو تجميده، ودخل في التفاصيل العمليّة المتصلة بالتفاصيل المتنوّعة لأوضاع الإنسان الفرديّة والاجتماعية من خلال ذلك، فلم يعد العقل لديه مجرّد قوّة تتصل بالكليّات العامة في حياته، بل تحوّل إلى قاعدةٍ للوعي التفصيليّ الذي يحدّد للإنسان مواقع الحكمة في حياته، والتي يضع فيها الأشياء في مواضعها، لتكون المسألة عنده أن يدرس كلَّ الأمور التي تواجهه بالطريقة الواعية التي تحسب كلّ شي‏ءٍ بحسابات دقيقة، تحيط بها من كلِّ جهة، ثم لا يكتفي بالنتائج الفكريّة فيما هو التصوّر، بل لا بدَّ أن يتحرّك في خط النتائج العمليّة فيما هي الممارسة.. وقد تحدّث في هذا الاتجاه عن العلم في مصاحبته للعقل، وعن الكثرة من حيث ابتعادها في أحكامها وممارستها عن العقل، حيث لا تُعتبر الكثرة قيمة إيجابيّة، لأنَّ الكمَّ لا يحمل معنىً للقيمة إذا لم يرتبط بالنوع، وعن القِلّة من حيث إنَّ الغالب فيها الانطلاق من عمق الفكر وحركة الوعي.. وانطلقت الوصيّة لتربط الخوف من الله، والعمل للآخرة، والتوازن في السلوك الاجتماعي، والاتزان في الكلام، بالعقل.. ما يجعل من هذه الوصيّة وثيقةً إسلامية للمنهج القرآني في تقييم العقل وفي مسؤولية تحريكه، وفي الأفق الواسع الذي يتحرّك الإنسان من خلاله في عالم الفكر والعمل، الأمر الذي يجعل المنهج الأخلاقيّ يتداخل مع المنهج العقليّ..

وقد يكون هذا التأكيد على العقل في هذه الوصية وفي غيرها من الوصايا والأحاديث التي جاءت في حديث أئمة أهل البيت(ع)، للانطلاق بالخطِّ الإسلاميّ في اتجاه اعتبار العقل أساساً للقاعدة الفكريّة الإسلاميّة في ما يأخذ به المسلم أو يَدَعُه، ليملك من خلاله الميزان الذي يزن به الأمور، فلا يقع في قبضة الخرافة، ولا يتحرّك في أجواء الوهم والخيال.

وقد يكون الحديث مع هشام وسيلةً من وسائل تقوية المنهج العقليّ الذي كان يتحرّك فيه هشام في حواره العقليّ الذي كان يحرّكه في ساحة الصراع في جوانب العقيدة المتنوّعة.. وهذا هو ما تحتاج إليه الحركة الإسلاميّة في منهجها الفكريّ وخطِّها العمليّ، لتعرف كيف تدخل في عملية تنقيةٍ للتراث المنقول إليها من المصادر المتنوّعة، لتحاكم كلَّ مفرداتها بمنطق العقل المنفتح على الوحي في افاقه الواسعة، لأنَّ الامتداد في المنهج الانفعاليّ العاطفي السطحيّ قد يُدخلنا في كهوف الضلال من حيث نريد الانفتاح على الهدى، وقد يدفع بنا للابتعاد عن خطِّ الاستقامة في مناقشة قضايا العقيدة أو الشريعة التي قد يخضع فيها الجوُّ العام للخوف من تحريك بعض الأفكار المطروحة في ذهنه العام على أساس الخوف من غَضْبَةِ العوام الذين قد يفقدون ثقتهم بالأشخاص الذين يثيرون أفكاراً نقديّة إزاء بعض الأمور المتصلة بالعاطفة العامة تجاه بعض قضايا التاريخ أو قضايا العقيدة في بعض تفاصيلها، أو قضايا الشريعة في بعض أحكامها..

إنَّ التأكيد على العقل المنفتح على الوحي يفرض علينا إعادة النظر في الكثير من أساليب الاستدلال لتجديدها، أو لتجديد بعض الأفكار الناشئة منها، حتى نبقى في مستوى التحدّي الكبير الذي يفرضه انفتاح الحركة الثقافية في العالم الإسلامي وغيره على كلِّ قضايا الإسلام في العقيدة والشريعة والمنهج، وعلى كلِّ خصوصيّات المنهج الفكريّ الشيعيّ في الأمور التي يختصُّ بها الشيعة، الأمر الذي يحتاج نشاطاً غير عاديّ من قِبَل المفكّرين الإسلاميين في إدارة الحوار المفتوح حول هذه الأمور في الداخل، ومواجهة الأفكار المضادّة في الخارج..

عناوين الوصيّة ـ الرسالة

وننقل بإيجاز بعض ما جاء في هذه الوصيّة عن العقل للإمام الكاظم(ع)، والتي أوصى بها هشام بن الحكم، ففي الرواية عن أبي عبد الله الأشعري، عن هشام بن الحكم قال: "قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر(ع): يا هشام، إنَّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: {فبشّر عبادي* الّذينَ يستمعونَ القولَ فيتّبعون أحسنَه أولئك الّذينَ هداهُم الله وأولئك هم أولو الألباب} [الزمر:17ـ18] فقد استوحى(ع) من هذه الآية انطلاق العقل في المنطقة الداخليّة للإنسان ليؤثر في طريقة التعامل مع الكلمات التي يسمعها، ليستمع إليها في عملية تأمّل ومحاكمة واختبار من أجل دراسة نقاط الضعف والقوّة فيها، وليحوّل النتائج من دائرة الأحسن والأمثل إلى واقع عمليٍّ في حياته، ليكون الواقع في الدرجة التصاعديّة التي تقف في الموقف الأعلى في نطاق الأحسن، مما يؤكّد عقلانية المنطق وهداية الطريق.

ـ يا هشام، إنَّ الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحججَ بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيته بالأدلّة، فقال سبحانه: {وإلهكُم إلهٌ واحدٌ لا إله إلاّ هو الرّحمنُ الرّحيم* إنَّ في خَلْقِ السمواتِ والأرضِ واختلافِ اللّيلِ والنهارِ والفُلْكِ التّي تجري في البحرِ بما يَنْفَعُ النَّاسَ وما أنزلَ اللهُ من السماء من مّاءٍ فأحيا بهِ الأرضَ بعد موتها وبثَّ فيها من كلِّ دابّةٍ وتصريفِ الرِّياح والسّحابِ المسخّرِ بين السمّاء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون}[البقرة:163ـ164] ـ فالله سبحانه يؤكّد للناس الأخذ بالحجّة التي تؤكّد الفكرة بالعقل الذي يدرس هذه الفكرة في احتمال الخطأ والصواب على أساس الدليل الذي يعطي الحجّة على الحق، حتى أنَّ الأنبياء الذين أرسلهم الله برسالته يؤكّدون مضمونها بالأدلة التي ترتكز على العقل ليكون العقل أساس الإيمان. فالعقل هو الذي ينتج للإنسان وعي الحكمة في الفكر وخطّ الحكمة في الواقع، عندما يميّز بين الحسن والقبيح والضار والنافع، ويتعرّف مواضع الأشياء وما تفرضه في حاجاتها من كلمة مناسِبَةٍ هنا وعملٍ منسجم مع هذا وذاك هناك، وهذا هو الذي يجتذب الخير الكثير في النتائج.

ـ يا هشام، ثم وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة، فقال: {وما الحياةُ الدُّنيا إلا لعبٌ ولهوٌ وللدّارُ الآخرةُ خيرٌ لّلذين يتّقون أفلا تعقلون}[الأنعام:32].

ـ يا هشام، ثم خوّف الذين لا يعقلون عقابه، فقال تعالى: {ثُمَّ دمّرنا الآخرين* وإنَّكم لتمرّون عليهم مصبحين* وبالليل أفلا تعقلون}[الصافات:136ـ138]. وهكذا أراد الله لأهل العقل ألاَّ يخضعوا للهوى في اختياراتهم العقيديّة والعمليّة فينحرفوا عن الحقّ، فرغّبهم بالثواب وخوّفهم من العقاب حتى يشعروا بالمسؤوليّة، ليغلّبوا العقل على الهوى، فيتبعوا سبيله في الالتزام الفكريّ والاستقامة العمليّة.

ـ يا هشام، إنَّ العقل مع العلم، فقال: {وتلك الأمثال نضربُها للنّاس وما يعقلُها إلا العالِمون}[العنكبوت:43]، فإنَّ العقل يُنتج العلم من خلال إنتاجه للفكرة ودراسته لِما يُقدم عليه من ألوان العلم وقضاياه، كما أنَّ العلم يتحرّك في دائرة العقل، فهو الذي يتدبّر أسراره وأمثاله.

ـ يا هشام، ثمّ ذمَّ الله الكَثْرَةَ فقال: {وإن تُطِعْ أكثرَ مَنْ في الأرض يُضلّوك عن سبيل الّله}[الأنعام: 116] ـ فإنَّ الكثرة قد تتحرّك في مواقع السطح انطلاقاً من السرعة في أخذ النتائج والتزام الأفكار، فلا تصبر على النفاذ إلى العمق.

ـ يا هشام، ثمّ مدح القلّة، فقال: {وقليلٌ من عبادي الشَّكُور}[سبأ:13] ـ وهم الذين يفكّرون في الله تفكيرَ وعي ويدرسون نِعَمهُ من منطق العقل، فيتعرّفون معنى الشكر للمنعم، ويلتزمون محبته ويطلبون رضاه.

ـ يا هشام، ثم ذَكَر أُولي الألباب بأحسن الذكر وحلاّهم بأحسن الحِليَة، فقال: {يُؤتي الحكمةَ مَن يشاء ومَنْ يُؤتَ الحكمةَ فقد أُوتيَ خيراً كثيراً ومَا يذّكّرُ إلاّ أولو الألباب} [البقرة:269] ـ فهم الذين يكتشفون مصادر الأمور ومواردها، وهم الذين يتعرّفون جذورها وامتداداتها، فيتذكّرون ما يُقبلون عليه من خلال الالتزام بها أو الانحراف عنها على أساس محاكمة العقل لها.

ـ يا هشام، إنَّ الله تعالى يقول في كتابه: {ولقد آتينا لقمان الحكمة}[لقمان:12]، قال: الفهم والعقل ـ فإنَّ قمة العقل أن يقف مع الحقيقة إذا وعاها وعي الحجّة للفكرة، لأنَّه يدرك معها أنَّ ذلك هو طريق النجاة وسبيل النجاح.

ـ يا هشام، إنَّ لقمان قال لابنه: تواضع للحقّ تكن أعقل الناس، وإنَّ الكيِّس الفَطِن لدى الحقّ يسير. يا بنيّ، إنَّ الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيها عالم كثيرٌ، فلتكن سفينتُك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكّل، وقيِّمُها ـ ربّانُها ـ العقل، ودليلها العلم، وسكّانها الصبر. وبذلك يكون التواضع للحقّ بالخضوع له تواضعاً للمعنى الإنسانيّ في وجوده، فهو لا يتواضع لما هو خارج ذاته، بل لما هو في العمق من سموٍّ في الذات.. وهكذا يقود العقلُ السفينة التي تسير بالإنسان في طريق النجاة، والتقوى هي قاعدة رضوان الله، والإيمان هو أفق الوصول إلى معرفته، والتوكّل هو وعي قدرته ورحمته، والعلم هو امتداد آفاقه، والصبر هو التمرّد على مواقع الضعف.

ـ يا هشام، إنَّ لكلِّ شي‏ءٍ دليلاً، ودليل العقل التفكّر، ودليل التفكّر الصمت ـ فإنَّ الفكر ينطلق في أجواء الصمت الذي يمنح الإنسان الهدوء الذي يُبعده عن الضجيج الذي يعطّله عن التأمّل والتدبّر الموصِل إلى الحقيقة ـ ولكلِّ شي‏ءٍ مطيّة، ومطيّة العقل التواضع، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نُهيت عنه ـ لأنَّ التواضع يجعلك تقف عند حدود نفسك، فلا تنتفخ بغرورك، وبذلك تملك معرفة القضايا بحدودها، وتترك للعقل أن يضع لك الحلول ويقف بك عند مواقع النجاح إذا عرف حدَّه فوقف عنده، وإذا لم يكن ذلك، فإنَّه يعرّضك للخسارة الكبرى في الآخرة.

ـ يا هشام، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلاَّ ليعقلوا عن الله، فأحسنُهم استجابةً أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنُهم عقلاً، وأكملُهم عقلاً أرفعُهم درجةً في الدنيا والآخرة ـ وهكذا جاء الأنبياء ليمنحوا العقل فرصة المعرفة لله في خطِّ الاستجابة له، وليرتفعوا به لينفتح على أمر الله بأعلى الدرجات، وليتكامل بالمعرفة والدراسة ليصل إلى أعلى مواقع الكمال، وهكذا كانت رسالة الأنبياء في آفاق العقل لا الجهل.

ـ يا هشام، إنَّ لله على النّاس حجتين: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمَّا الظاهرة، فالرسل والأنبياء والأئمة ـ عليهم السلام ـ وأما الباطنة، فالعقول ـ كما ورد أنَّ العقل رسولٌ من داخل، والرسول عقلٌ من خارج، فكلاهما عقلٌ وكلاهما رسول.

ـ يا هشام، إنَّ العاقل لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره ـ فهو يعيش معنى الحلال بالشكر، ويتعامل مع الحرام بالصبر على الحرمان منه، معرفةً منه بالنتائج السلبيّة.

ـ يا هشام، من سلّط ثلاثاً على ثلاث، فكأنما أعان على هدم عقله: مَن أظلم نور تفكّره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ـ فإنَّ طول الأمل يمنع من معرفة طبيعة الواقع المحدود في الدنيا، وفضول الكلام يُسْلِم الإنسان إلى اللغو ـ وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومَن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه ـ فإن الشهوات تدفع الإنسان إلى الاستسلام لغريزته، فتحجب عنه التفكير بالنتائج السلبيّة والإيجابيّة في أخذ العبرة من الواقع.

ـ يا هشام، كيف يزكو عند الله عملك، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربِّك وأطعتَ هواك على غلبة عقلك ـ فإنَّ شُغل القلب عن أمر الله بما لا ينفعه، وإنَّ طاعة الهوى الذي يطير به مع كلِّ ريح، ويبتعد به عن كلِّ حقّ، يُبعد العمل عن الأصالة والطهارة والصفاء، فلا يبقى لله منه شي‏ء.

ـ يا هشام، الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهلَ الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أُنسَه في الوحشة، وصاحبَه في الوحدة وغناه في العيلة ـ الفقر ـ ومُعِزَّه من غير عشيرة ـ لأنَّ العاقل هو الذي يرى في الوحدة فرصةً للتأمّل والنفاذ إلى حقائق الأشياء، فيعتزل عن الناس مما هم فيه من الإخلاد إلى الدنيا والرغبة فيها، رغبةً عمّا عند الله، ويُقبل على الله رغبةً فيما عنده من الثواب، ليكون اللهُ صديقه حيث لا صديق، وأنيسه حيث لا أنيس، وغناه عندما يفتقر، وعزّه عندما تبتعد عنه عشيرته.

ـ يا هشام، قليل العمل من العالِم مقبولٌ مضاعَف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود ـ لأنَّ العالِم يعقل عمله في وعيه له ومعرفته بمسؤوليته فيه وبنتائجه في مستقبل أمره وحاضره، بينما الجاهل يُكثر من العمل من دون أن يعرف معناه.

ـ يا هشام، إنَّ العاقل رضيَ بالدون ـ القليل ـ من الدنيا مع الحكمة، ولم يرضَ بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم ـ لأنَّ الحكمة هي التي تعطي الدنيا حجم الأرباح الكبيرة في العاقبة، بينما الدنيا بدون الحكمة لا تمنح الإنسان إلا الفراغ.

ـ يا هشام، إنَّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، وتَرْكُ الدنيا من الفضل، وتَرْكُ الذنوب من الفرض ـ فإنَّ ترك الدنيا يمثِّل القيمة الفضلى في الواقع، كما أنَّ ترك الذنوب يؤكِّد المسؤولية في العمل ـ يا هشام، إنَّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ـ لأنَّهم رأوا فناء الدنيا وخلود الآخرة، فتركوا ما يفنى لما يبقى، وذلك هو قِمّة العقل.

ـ يا هشام، مَن أراد الغِنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرّع إلى الله عزَّ وجلَّ في مسألته بأن يُكَمِّل عقلَه، فمن عقل قَنِع بما يكفيه، ومَن قَنعَ بما يكفيه استغنى، ومَن لم يقنع بما يكفيه لم يُدْرِك الغِنى أبداً ـ لأن العقل يتطلب الكفاية التي تحقّق له حاجاته، فما يزيد عنها فضُول، كما أنَّ القناعة تمنح الإنسان غنى الذات في معنى العزّة، بينما الطمع وتَرْكُ القناعة يدفعان الإنسان إلى السقوط والفقر الروحيّ والذلّ النفسيّ.

ـ يا هشام، كان أمير المؤمنين عليٌّ(ع) يقول: ما عُبِدَ اللهُ بشي‏ءٍ أفضل من العقل، وما تمَّ عقل امرى‏ءٍ حتى يكون فيه خصالٌ شتّى: الكفر والشرّ منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، والتواضع أحبُّ إليه من الشرف، يستكثر قليلَ المعروف من غيره، ويستقلُّ كثير المعروف من نفسه، ويرى الناسَ كلَّهم خيراً منه، وأنَّه شرُّهم في نفسه، وهو تمام الأمر ـ فإنَّ تلك الصفات تُكمل للإنسان شخصيته وترتفع بإنسانيته، وتُوحي له بالانفتاح على حقائق الأمور ومسؤولية المصير وإيجابيّات النتائج في الدنيا والآخرة.

ـ يا هشام، إنَّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه ـ لأنَّ الكذب لا يحقّق للإنسان أيَّ نفعٍ على مستوى النتائج، لأنَّه ضدّ الحق.

ـ يا هشام، إنَّ أمير المؤمنين(ع) كان يقول: "إنَّ من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يُجيب إذا سُئِل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شي‏ء فهو أحمق"(23). فالإجابة عن السؤال في نطاق مسؤوليته يؤكّد رساليّته في التوعية والنطق عند عجز القوم عن الكلام الذي يحتاج النّاس إليه، ويرسّخ في الإنسان معنى الرسالة التعليميّة في حياة النّاس في حاجتهم إلى المعرفة. والإشارة بالرأي الصالح يتجه بالمجتمع إلى مواقع هداه.. وهذا هو ما يفرضه العقل على صاحبه عندما يقوده إلى أن يكون عنصراً فاعلاً في المجتمع في حاجاته المعرفيّة.

الرسالة في منهج التفسير الموضوعي

وقد نلاحظ في رسالة العقل هذه توجيهاً للمفسِّرين الإسلاميّين للسير على منهج التفسير الموضوعيّ للقرآن من أجل استخراج المفاهيم الإسلاميّة من القران بشكل متكامل لاكتشاف الخطّ العام للموضوع، ثم يتحرّك في الخطوط التفصيليّة في نطاق النماذج الحيّة المتحرّكة في الواقع، ما يوحي بتحرّك الفكرة في ساحة التطبيق، كما نرى فيها تأكيداً على الانفتاح على كثيرٍ من الأمور الفرعية المتعلّقة بالموضوع.. وهذا هو المنهج الذي يعمل على توسيع الأفق الفكري للإنسان المسلم، بحيث يعمل على الجمع بين المضمون الداخلي للفكرة، وبين الإيحاء الخارجيّ لحركتها في الواقع.. فقد استنطق الإمام(ع) كلَّ آيةٍ ورد فيها الحديث عمن يعقلون وعمن لا يعقلون في النتائج الإيجابيّة للفريق الأول، وفي النتائج السلبيّة للفريق الثاني، ليدفع بالحديث إلى آفاق الوعي الإنساني، ليؤكّد على أنَّ الإنسان العاقل هو الإنسان الذي ينفتح على كلِّ مواقع الاختبار المميّز للفكرة الصالحة وللقول الأحسن، باعتبار أنَّ ذلك هو مظهر الهداية الإلهيّة في حركة العقل في الداخل، ولينطلق بعد ذلك، ليؤكِّد موقع العقل كحجّة على الإنسان في قناعاته، وكمنطلق للانفتاح على الأدلّة المفتوحة على كلِّ ما في كتاب الكون من آياتٍ منثورة في آفاق السماء والأرض، ليكون هو الأساس لاستخلاص النتائج في معرفة الله في مواقع وحدانيّته وعظمته التي لا تقف عند حدٍّ، وليطوف الإنسان في المجالات التي يؤكِّد فيها العقل له كيف يركِّز خطواته على أرضٍ صلبة ثابتة تتيح له السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.

المصادر:

(23)الكافي، ج:1، ص:56.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://2wc2.yoo7.com
 
دور العقل عند الإمام الكاظم(ع)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
(¯`·._.·( رحيق الايمـــان )·._.·´¯) :: ®¤*~ˆ° .¸¸۝❝القسم الاسلامي ❝۝¸ :: الملتقي الاسلامــــــي~ صرح ينبض بالسلام-
انتقل الى: